الثلاثاء، 3 أبريل 2018

مقال: القراءة وسيلة



| الناس والقراءة:


ولأن نسب القراءة تقل كثيرا لدى الأفراد في مجتمعاتنا، فإن القراءة أصبحت هدفا لا وسيلة.
إقامة مسابقات تحفيزية على القراءة، إنشاء صفحات على وسائل التواصل والمواقع التي تحث على القراءة، إعداد أمسيات واجتماعات تشجع على القراءة: كلها دليل على أن القراءة أصبحت هدفا.
ولعل من الدلائل على ذلك أيضا الموضوعات المنتشرة حول القراءة التي تتراوح عناوينها بين: "كيف أجعل القراءة جزءا من حياتي؟" و"أقوال ملهمة عن القراءة". كما نجد من المقولات المنتشرة: "الكتاب خير جليس" و"سر الحياة القراءة والتجربة" كلها تتمحور على القراءة دون النظر إلى المواضيع المقروءة، فالكتاب أيضا هو شر جليس إذا لم يحسن القارئ الاختيار، ولم تكن قراءته قراءة واعية.
في وجود جمهور قارئ وواع ومثقف، كان الخطاب سيتمحور حول نوعية الكتب التي يجب أن يهتم بقراءتها والكتب التي تسد الخلل الفكري والمعرفي، وليس عن القراءة في حد ذاتها.
أن نقول أن الأوربي أو الياباني يقرأ معدلا متوسطا مرتفعا من الكتب ليس مقياسا للحكم على طريقة التفكير والثقافة والمعرفة، لأن كل ذلك يتوقف على أمور أخرى وليس على القراءة، كطبيعة الكتب التي تقرأ، وطريقة تعامل القارئ مع الكتاب ومهارات عدة ترافق القراءة.

الناس فعلا لا يقرأون، وهذه أكبر خيانة حدثت وتحدث؛ خيانة لعلماء الإسلام في شتى العلوم الشرعية، وخيانة لعلماء العلوم المتناثرة، وخيانة للتاريخ والحاضر والثقافة والعلم والدين.

أن تكون القراءة موضة أمر يلغي أهداف القراءة، ويجعلها هدفا. فالذي يمسك رواية لا يخلو سطر منها من خطإ لغوي فادح يعتبر قارئا، والذي يطالع كتابا ينسف ثوابته وقيمه يعتبر مثقفا واعيا فقط لأنه يقرأ.

لم نرتق في مجتمعاتنا بعد إلى الحوار والمناقشة، لا زلنا نحكم على الشكليات. فإذا نشر أحدهم مقالا له لا ينظر أبدا إلى فكرته فيناقش فيها ويأخذ منها ويرد، بل الكل يصفق له لأنه كتب شيئا.

لا زالت مشكلتنا في الكتابة والقراءة. فنعتبرها شيئا مقدسا. ولا نرقى لمناقشة الأفكار ومعرفة الصواب والخطإ. فوجود النقيض يعتبر تخطيئا ونسفا للحقيقة المطلقة، ووجود "مثقف" معارض، يجعل من المثقف الآخر كذابا وواهما. هكذا نرى الأشياء. وما هكذا ينبغي أن ترى!


| القراءة وسيلة:


يجب معرفة أن القراءة وسيلة، وهي وسيلة لتحقيق أهداف تختلف باختلاف حاجة الناس إليها.

الجهل المنتشر لأساسيات الدين ، والدين المتوارث، وغياب الصورة الحقيقية المتكاملة وغير المشوهة عن الإسلام يحتاج إلى القراءة في الكتب التي تعنى بمنهج الإسلام وشموليته وأصوله التي يقوم عليها، والأساسيات ودلائلها العقلية والنقلية. ومنها على سبيل المثال لا الحصر كتاب (منهاج المسلم) لأبي بكر الجزائري، وكتاب (الإسلام) لصاحبه سعيد حوى.

الجهل باللغة العربية والذي يحول دون القراءة ودون الفهم يجب أن يسد بقراءة كتب اللغة ومختلف علومها المتكاملة، قصد فهم الإنسان لما يقرؤه دون سوء فهم، وهنا يكون من اللازم أن نعلم أن شبهات وتحريفات فاسدة كثيرة للدين وللقرآن كانت بسبب الجهل باللغة العربية وأبسط قواعدها.

الظواهر الاجتماعية المنافية للأخلاق ينبغي أن تواجه بكتب في الأخلاق والقيم، أو بروايات الأدب الخلاق الملتزم، وليس بروايات محرضة على الفساد الأخلاقي والإنحلال والعقوق والتمرد. لا يخفى أن الكثير من الروايات تنشر الرذائل وتبث الإنحلال. وقد قرأت إحداها فلم أجد صفحة إلا وفيها حديث عن شرب الخمر وتدخين السجائر والاستمتاع بها، وممارسة الفساد.

المجتمع وما هو فيه من بؤس وتعاسة وجراح وآلام وحزن، الفرد الذي يريد أن يخرج من هذه الأحزان منه ينبغي له أن يقرأ.. يقرأ في السير والتاريخ ليعلم أنه لا يزال هناك حبل من الأمل ممدود يتضح رويدا رويدا للتشبث به، ويقرأ في التنمية البشرية ما يخرجه من الإحباط واليأس، من قبيل: (دع القلق وابدإ الحياة) ، و(لا تحزن) للقرني، وكتب المهارات في تجديد الحياة.

المشاكل الغذائية المتفاقمة لدى الأفراد والجماعات لا تواجه إلا بالقراءة في كتب التغذية ومختصرات الكتب حول الأمراض وطرق الوقاية والعلاج منها، وهذه الكتب أفضل لربة البيت من كتب وصفات الحلويات لجعل وجبات الطعام التي تقدمها لأفراد الأسرة أكثر توازنا، تحقيقا لتربية صحية جيدة لأبنائها.

المشاكل الفردية للأشخاص في العمل والوظيفة كلها تحتاج إلى قراءة يصل بعدها القارئ للحلول، والكتب المقصودة هنا كتب الإدارة.

المشاكل الاجتماعية والأسرية والعلاقات وكذا العلوم التي يحتاجها الناس في حياتهم كلها قد ألف فيها غيرما كاتب.

المشاكل التربوية التي أنشأت ولا زالت تنشئ أجيالا تفقد الأخلاق وتعدم القيم ينبغي أن تواجه بقراءة الكتب الكثيرة لعلماء النفس والتربية التي تعالج نفسية الطفل والمراهق وتحدد أساليب التربية والتعليم الملائمة لمختلف الشرائح.

ولا أبخس من قيمة قراءة الروايات الهادفة التي تحمل رسائل بين فصولها، فبالروايات يكتسب الشخص تجارب لم يتسنى له أن يكتسبها من واقعه، فيكون كمن عاش أعمارا في حياته الواحدة، ما يساعد على تعلم طرق لحل بعض المشاكل حال حدوثها ومباشرتها

| لأختم:

إن الشخص الذي يعتقد أن القراءة هدف يقرأ أي شيء، وكيفما اتفق، لكن الذي يعي جيدا أنها وسيلة يقرأ ما يسد به فاقته المعرفية.
فنحن اليوم في ظرفية مهمة لا نحتاج معها رواية في الخيال العلمي ولا رواية لا تحترم الضوابط الأخلاقية، كما لا نحتاج كتب القصص التافهة التي تخلو من أي رسالة أو هدف. كما لا نحتاج كتابا في حوار الأديان والتسامح، بقدر ما نحن بحاجة إلى كتب (أسرار الماسونية) و(بروتوكولات حكماء صهيون) و(أشياء تتداعى) و(أمريكا والإبادات الثقافية)، لمعرفة ما يتوجب على الفرد فعله حيال ما يدور حوله من دوائر.

إننا نحتاج أن نقرأ ما يعزز الإنسان في تفكيره واعتقاده ويكون لديه مناعة فكرية، ويضبط تعاملاته، لبناء مجتمع قوي تشيع فيه الأخلاق.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مقالات

📄  القراءة وسيلة 📄  الأبوة.. المسؤولية العظيمة